الكويت: لا مخرج أمام عاملات المنازل المعرضات للإساءات
قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته في السادس من الشهر الجاري إن عاملات المنازل في الكويت اللاتي يحاولن الفرار من أصحاب العمل المسيئين يتعرضن لتهمة “الفرار” الجنائية ولا يمكنهن تغيير وظائفهن دون موافقة أصحاب العمل. تتمتع عاملات المنازل الوافدات بالقليل للغاية من الحماية من بعض أصحاب العمل الذين يمنعون عنهن الرواتب، ويجبرون العاملات على العمل لساعات طويلة يومياً دون منحهن يوم عطلة أسبوعية، ويحرمونهن من الطعام الكافي، أو يسيئون إليهن بدنياً أو جنسياً
تقرير “الطرق المسدودة” الذي جاء في 97 صفحة، يصف كيف تصبح العاملات محاصرات في ظروف عمل استغلالية أو منطوية على الإساءات ثم يتعرضن للعقوبات الجزائية، إذا تركن العمل دون موافقة صاحب العمل. وتقوم السلطات الحكومية بالقبض على العاملات المُبلغ عنهن لدى الشرطة بتهمة ” الفرار”، وفي أغلب الحالات ترحلهن من الكويت – حتى إذا كُن قد تعرضن لإساءات أو يسعين للإنصاف.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “جميع السلطات تقع في أيدي أصحاب العمل في الكويت. إذا حاولت عاملة تعرضت لإساءات أو للاستغلال الفرار أو الشكوى، يسهّل القانون على أصحاب العمل اتهامها بـ”الفرار” ويتم ترحيلها. لقد تركت الحكومة العُمّال رهن حسن نية أصحاب العمل، وإلا تعرضوا لما لا تحمد عقباه إذا انتفت النوايا الحسنة”.
الكويت، صاحبة أعلى نسبة من العمالة المنزلية مقارنة بالمواطنين في الشرق الأوسط، أعلنت في 26 سبتمبر/أيلول 2010 أنها ستُلغي نظام الكفيل في فبراير/شباط 2011، مع استبداله بنظام تقوم عليه جهة استقدام حكومية. وبينما يعتبر هذا التصريح خطوة إصلاحية هامة، فإن الحكومة لم تقدم أية تفاصيل عن تدابير الحماية القانونية التي سيضيفها هذا النظام إلى العمالة الوافدة في الكويت، أو إن كانت الإصلاحات ستغطي عاملات المنازل.
تشكّل عاملات المنازل البالغ عددهن في الكويت 660 ألفاً نحو ثلث القوة العاملة في هذه الدولة الخليجية الصغيرة، التي لا يزيد عدد مواطنيها عن 1.3 مليون نسمة. لكن عاملات المنازل مُستبعدات من قوانين العمل التي تكفل الحماية لغيرهن من العمال. ويعزز المشرّعون الكويتيون هذا الاستبعاد من مظلة الحماية، إذ صدر في فبراير/شباط 2010 قانون عمل جديد للقطاع الخاص، لم يتناول عاملات المنازل.
وقالت ناشطة مهتمة بمساعدة العمالة المنزلية في الكويت وطلبت عدم ذكر اسمها: “يجب ألا يكون الفرار من صاحب عمل مسيئ عمل غير قانوني”. وتابعت: “أحياناً تقول تلك الفتيات: هل تعرفون ما حدث لي في ذلك البيت؟ لقد ضربوني وبصقوا عليّ… كيف إذن يرفعون قضية ضدي؟”
البيانات التي جمعتها هيومن رايتس ووتش تُظهر أنه في عام 2009، قدمت عاملات منازل من سريلانكا وأندونيسيا والفلبين وأثيوبيا أكثر من عشرة آلاف شكوى من تعرضهن للمعاملة السيئة، وتقدمن بالشكاوى لسفاراتهن في الكويت.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن إصلاحات الحكومة الكويتية لنظام الكفيل الحالي يجب أن تشمل خطوات فورية لإلغاء “الفرار” كمخالفة قانونية، وأن يتم السماح للعاملات بتغيير الوظائف دون موافقة صاحب العمل. كما أن على الحكومة أن تكف عن اعتقال وترحيل العمال بتهمة ترك الوظائف في حالة خرق أصحاب العمل لحقوق العمال، وأن تعمل بدلاً من هذا على توفير الملجأ المؤقت للعاملات وأن تسرع من عجلة آليات النظر في الشكاوى.
تلكوماري بون، عاملة منازل من نيبال تبلغ من العمر 23 عاماً، قالت لـ هيومن رايتس ووتش إنها عملت لمدة 13 شهراً دون أن تحصّل أجرها. وتكرر طلبها لأصحاب عملها بتحصيل الراتب كي تعود إلى نيبال، حيث يحتاج والدها لإجراء جراحة على القلب. وبعد أن انتظرت 10 أشهر فيما يقوم أصحاب العمل بالترتيبات، على حد قولها، ذهبت إلى الشرطة وطلبت المساعدة، لكن الشرطة احتجزتها. وقالت إنها من مركز الشرطة “نقلوني إلى قسم التحقيق الجنائي. وقدّم بابا وماما [صاحبا العمل] بلاغاً ضدي إلى الشرطة”.
تقرير “الطرق المسدودة” يستند إلى مقابلات مع 49 عاملة منازل، ومع ممثلين عن سفارات الدول المصدرة للعمالة في الكويت، ومع مسؤولين حكوميين كويتيين، منهم ممثلون عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية. كما قابلت هيومن رايتس ووتش أصحاب عمل، وأفراد من منظمات حقوق إنسان ومجتمع مدني محلية، ومحامين، وأكاديميين.
عاملات المنازل اللاتي تمت مقابلتهن ذكرن جملة من الإساءات التي ألحقها بهن أصحاب العمل، منها عدم دفع الأجور، ورفض منحهن أيام عطلة أسبوعية، والاعتداءات البدنية أو الجنسية. لكنهن قلن إنهن وجدن من المستحيل عملاً تقديم شكاوى وتظلمات مجدية.
وخلصن إلى أنهن لا يمكنهن السعي للإنصاف إلا إذا كن مستعدات لقضاء أسابيع وشهور في ملاجئ السفارات المزدحمة أثناء التفاوض مع الكفلاء، أو الصبر على التقاضي لفترات مطولة في المحاكم. ويؤدي تبليغ صاحب العمل عن “فرار” العاملة، إلى إلغاء الإقامة القانونية للعاملة بشكل فوري، مما يخلّفها بلا وضع قانوني يسمح لها بالعمل وإرسال النقود إلى بلدها في انتظار تسوية قضيتها.
وقالت سارة ليا ويتسن: “تعتمد عاملات المنازل عادة على الرواتب التي يربحنها في دعم أسرهن في بلدانهن الأصلية”. وتابعت: “هؤلاء العاملات يجب ألا ينتظرن شهوراً في ملاجئ مزدحمة دون أن تُتاح لهن فرصة للعمل أو التنقل بحرية، بينما الكثيرات منهن تعرضن لانتهاكات حقوقية قبل دخولهن الملاجئ”.
عاملات المنازل، المستبعدات من مظلة حماية قوانين العمل، يخضن في معارك قانونية صعبة للغاية من أجل تحصيلهن الأجور المتأخرة. إثبات الاستغلال أو التعرض لإساءات قد يكون صعباً بسبب الأدلة والقرائن القليلة المتوفرة في حرمة البيوت وراء الأبواب المغلقة. ولا توجد في الكويت محاكم مستعجلة للعمل رغم العدد الهائل في الكويت من العمالة الوافدة وحقيقة أن شكاوى الأجور تعلو قائمة الشكاوى العمالية في الكويت. فترات الانتظار الطويلة وتواضع مستوى المعلومات المتوفرة عن الحقوق والخيارات المتاحة، وفرص إحقاق العدالة القليلة، تعني بالنسبة لعاملات كثيرات، التخلي عن السعي وراء العدالة أو التعويض.
حتى عندما تختار العاملة ألا تسعى في قضايا أو محاولات تسوية، فهي تتعرض لفترات تأخير طويلة قبل أن تتمكن من مغادرة الكويت. عاملات قليلات قابلتهن هيومن رايتس ووتش، ممن تركن وظائفهن، نجحن في استعادة جوازات سفرهن من أصحاب العمل بعد مغادرتهم. ويقوم أصحاب العمل بمصادرة جوازات السفر لتأخير مغادرة العاملات للبلاد، ولاستخدام هذه المصادرة كأداة للغلبة أثناء المفاوضات. العاملات اللاتي يتهمهن أصحاب العمل بـ “الفرار” يمضين وقتاً إضافياً في العادة بانتظار إخلاء الحكومة طرفهن من أية اتهامات قبل أن يتمكنّ من العودة إلى بلدانهن، حتى في الحالات التي تهرب فيها العاملة من أصحاب عمل مسيئين أو في حالة خرقهم لشروط العقد.
نور و.، عاملة منازل أندونيسية قابلتها هيومن رايتس ووتش في مركز إبعاد حكومي، قالت إن أصحاب عملها لم يمنحوها الموافقة على عودتها إلى بلدها بعد انتهاء عقدها بمدة سنتين، ورفضوا أيضاً إعادة جواز سفرها إليها عندما هربت منهم. قالت: “ذهبت إلى سفارتي. اتصلوا بماما [صاحبة العمل] من هناك. ما زالت ماما رافضة [إعادة جواز السفر إليّ] وأنا مضطرة للجوء إلى الترحيل”.
وقالت سارة ليا ويتسن: “العاملات اللاتي أجبرن على العمل دون أجر، أو حُرمن من الطعام، أو عوملن معاملة غير إنسانية، يجب ألا يدخلن مراكز الاحتجاز أو السجون، أو أن يعدنّ إلى بلدانهن عن طريق الترحيل”. وأضافت: “على الحكومة فيما يخص للعاملات اللاتي يبلغن عن التعرض لإساءات من أصحاب العمل، أن توفر لهن المأوى، وأن تزيل المعوقات القانونية الثقيلة التي يفرضها أصحاب العمل حتى على العاملات اللاتي تعرضن للمعاملة السيئة”.
وبينما تفتح الحكومة الكويتية حالياً ملجأ قوامه 50 سريراً لعاملات المنازل، فإن السفارات وحدها هي التي يحق لها إحالة العاملات إلى هناك، وبعد أن تخلي الشرطة طرف العاملات من جميع الاتهامات، مما يعني أن السيدات ينتظرن في العادة أوقاتاً طويلة في ملاجئ سفاراتهن قبل أن تتم إحالتهن على الملجأ الحكومي. عندما زارت هيومن رايتس ووتش المركز، كان يعمل بأقل من سعته القصوى، رغم الحاجة الماسة للمأوى، من مئات العاملات المنزليات، ورغم ازدحام الملاجئ في السفارات.
وقالت سارة ليا ويتسن: “عندما يقوم بعض أصحاب العمل من غير ذوي الضمائر اليقظة، باستغلال عاملات المنازل، على الحكومة ألا تعاقبهن بدورها. إن المسؤولين الحكوميين يناقشون إصلاح نظام الكفيل منذ سنوات، لكن حان الوقت لتنفيذ إجراءات لحماية حقوق العمال من حيث الممارسة – وليس على الورق فقط”.